كيف تصبح صيادًا ماهرًا في سوق مزدحم بالمنافسة؟



في نظريات التسويق، يتم التعامل مع السوق على اعتباره بحيرة مليئة بالأسماك، وفي الواقع يمثل ذلك تشبيهًا بليغًا، ربما يقدم لكل رائد أعمال، حتى المبتدئين، فكرة وافية وممتعة عن معطيات العمل، لذلك يمكنك تخيّل ذاتك صيادًا يجلس على شاطئ البحيرة، وتنوي اصطياد السمك أو العملاء المحتملين، فما هو المكان الأمثل للصيد والطريقة المناسبة لرمي الشباك، وما هو نوع السمك الذي تبحث عنه؟
إجابات هذه التساؤلات هي ما يُطلَق عليه الأبحاث التسويقية، والتي تعد الخطوة الأساسية لبداية أي شركة، لتحديد غاية المنتج أو الخدمة، فإذا كنت ترغب في أن تتحول إلى صياد محنك.. إليك هذه القواعد.

1- الموقع المثالي للصيد


عندما تقرر تأسيس شركتك في مجال ما، عليك دراسة السوق أو البحيرة التي تنوي الاصطياد بها، هل هناك منافسون أم أنك تجلس وحيدًا على الشاطئ، إذا وجدت أن السوق خالٍ من المنافسة، فعليك معرفة السبب، ربما تكون هذه البحيرة خالية من الأسماك، وستهدر وقتك في العمل عليها.
وبالتالي عند دراسة السوق، عليك أن تفكر في شكل المنافسة، إذا انعدمت تمامًا، فهذه علامة خطر وتحذير، تستوجب منك إعادة التفكير في مجال عملك أو جمهورك المستهدف، وإذا كان السوق مزدحمًا بشكل كبير يمثل ذلك أيضا علامة غير جيدة لأنك سوف تقاتل من أجل الفوز بالقليل من السمك.
إذًا سيكون المكان الأفضل لرمي الشباك هو ذلك الشاطئ الذي لا يعج بالصيادين، بمعنى آخر سوق يوجد به عدد محدود من المنافسين، حتى تتأكد من وجود عملاء محتملين، وتضمن الحصول على شريحة مناسبة من هذا الجمهور، حتى وإن بدت محدودة في البداية يمكنك التوسع فيما بعد.
الحالة الوحيدة المسموح فيها باختيار شاطئ خالِ من الصيادين، هي عندما ترى السمك بعينيك، وتعلم أن الجميع مشغول بالصيد في مكان آخر، أو بالأحرى إذا كنت تمتلك فكرة مبدعة ومبتكرة يحتاجها السوق، لكن لم ينفذها أحد، كما فعل إيلون موسك، مؤسس شركة تيسلا لإنتاج السيارات الكهربائية الآمنة، وأول من أنشأ شركة خاصة للسفر إلى الفضاء، أو حتى في إطار الأفكار البسيطة التي لم ينتبه لها أحد من قبل على غرار الماصة المرنة “الشاليموه” التي اخترعها جوزيف فريدمان في الثلاثينات من القرن الماضي، ولاقت رواجًا لسهولة استخدامها مما أتاح شرب السوائل بشكل مريح، ومن ثم انتشرت في المقاهي والمطاعم.

2-اختيار الطُعم


بعد الدراسة والأبحاث، إذا قررت الصيد في سوق مزدحم بالفعل، عليك انتقاء الطُعم بعناية، لكي تجذب السمك أو العملاء، وهذه بعض الإستراتيجيات التي تساعدك في التعامل مع سوق مليء بالمنافسة من أجل تحقيق أهداف مشروعك التجاري:

 تقديم أعلى جودة

المنتج أو الخدمة الخاص بك هي الطُعم الذي يجلب السمك، وكلما كان جذّابًا ومناسبًا، سينجح في جذب عدد أكبر من المستهلكين، لذلك ابدأ بمنتجك واجعله استثنائيًا، كما أن جودة هذا المنتج ستؤثر على استمرارية علامتك التجارية، مما يضمن لك النجاح على المدى الطويل، وولاء أكبر من العملاء، وهذه الإستراتيجية تحتاج إلى نفس طويل، ولكنها مضمونة في الغالب.
بعد انتشار سلسلة “ماكدونالدز” في 31 دولة، أصر راي كروك، مؤسس العلامة العالمية، على توحيد طعم البرغر ومستوى الخدمة، رافضًا خفض التكاليف في أية دولة رغم المنافسة الشرسة، وبالفعل ربما خسر كروك بعض المال على المستوى القصير، لكنه ضمن ولاء مستهلكيه وبات عملاقًا في مجاله، ومن المؤكد حقق أرباحًا هائلة.

 إضافة مزايا جديدة

بما أنك تصطاد في سوق متخم بالمنافسة، عليك تجربة المنتجات والخدمات ومقارنتها، ثم محاولة استخدام التفكير النقدي، أي التفكير فيما ينقص كل منتج، ومحاولة سد هذه الفجوات في مشروعك، وإضافة مميزات جديدة لمنتجك لا تتواجد لدى المنافسين وبأقل التكاليف، حتى تظل أسعارك معقولة، ويمكنك الاستلهام من سياسات التسويقية  لبعض شركات المقرمشات وصناعة رقائق البطاطس المقلية، والتي تحاول التغلب على المنافسة الشرسة بإضافة نكهات جديدة قريبة من الذوق العربي مثل الزعتر والزبدة والكمون، أو تقديم المنتج باعتباره صحيًا ويناسب الجميع ولا يزيد الوزن، وفي هذه الإستراتيجية عليك التركيز على طرق إعلام وإخبار الجمهور بهذه الجوانب الفريدة التي تميز منتجك عن باقي المنتجات المنافسة تبعًا لخصائص المستهلكين.

 إضفاء الطابع الشخصي

عندما تنافس في سوق مليء بالعلامات التجارية المعروفة، ستضمن لك هذه الإستراتيجية النجاح، لأن العلامات التجارية الضخمة تعمل عادة على نطاق واسع  وشرائح تسويقية متنوعة، أو غير متجانسة، مما يجعل من الصعب عليها تكييف منتجاتها وتخصيصها لتناسب أذواق الجميع.
بينما الشركات الناشئة، يمكنها محاولة أرضاء الأذواق الفردية، مما يشعر المستهلك أن هذا المنتج مخصص له، فمثلًا عند دخول سوق تتواجد به علامات تجارية عالمية في مجال الأزياء الرياضية، تستطيع إنتاج ملابس بمقاسات كبيرة لا تركز عليها هذه الشركات الكبرى.

تطوير المنتج مع التجربة

من أهم طرق إرضاء العملاء هي سياسة خدمة ما بعد البيع، أو تحسين الخدمة، أو المنتج، عبر الإنصات لشكاوى المستخدمين والعمل على تفاديها، على غرار تجربة أوبر التي دخلت سوق سيارات الأجرة، وحاولت تقديم مزايا جديدة، وتستمر عبر منصات التواصل الاجتماعي في التواصل مع العملاء، لتحسين الخدمات بعد التجربة حتى أحدثت الشركة ثورة في صناعة النقل، وأيضا الشركة العملاقة آبل التي تحاول دائما تقديم منتجات مبتكرة وإعادة تطويرها بعد التجربة.

الشفافية

يقدر العملاء الشفافية والمصداقية، وعندما تحاول اقتحام مجال تجاري تكتنفه السرية، ساعد الجمهور في اكتشاف خبايا الصناعة عندها ستتفوق على المنافسين.
عندما تفتتح مطعمًا يمكنك السماح للعملاء بدخول المطبخ وحضور عملية الطهي، مما يشعر المستهلكين بالمتعة، وأنهم قد استطاعوا معرفة “سر الطبخة”، ومن المؤكد أنك يجب أن تكون ذكيًا وحذرًا حتى تحافظ على تميزك.

 الخصومات والعروض

هي طريقة تقليدية لكنها مجدية جدًا، لذلك فكر بالطرق التي قد تزيد من تفاعل الزبائن مع منتجك مثل الخصومات والعروض الترويجية، منها شراء منتج والحصول على الآخر هدية أو المسابقات، كل هذه الوسائل ستجعلك تتقدم خطوة على منافسيك، وخاصة إذا أدركت جيدًا صفات عملائك واهتماماتهم، مثل شركات النقل الجماعي سويفل، وأوبر التي تتيح لك خدمات مجانية عند تجربة خدماتها للمرة الأولى، وتغازل جمهورها بشكل يتناسب مع خصائصه التسويقية.

 احتضان السوق الرقمي

شبكة الإنترنت تتيح لك إقامة علاقة فردية مع كل عميل يطرق بابك الإلكتروني، وتقدم لك سوقًا واسعًا لا يقف أمامه البعد المكاني أو الزمني، مما يساعدك في الوصول إلى جمهور متنوع، والاستفادة من شبكة الأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي.

 كن محليًا

على الرغم من أهمية السوق الرقمي، لا تنسَ أن المجتمع المحلي قد يقدم لك مزايا عديدة، ولا تدع حقيقة أنك شركة رقمية، يمكن الوصول إليها من أي مكان في العالم ، تتسبب في حدوث مسافة بينك وبين عملائك المحليين.

3- السمك.. الشريحة المستهدفة


عندما تقرر تأسيس شركتك الناشئة عليك تحديد جمهورك من حيث الكمية والكيفية، هل السوق الذي تطـرح فيه منتجك أو خدمتك، لديه شريحة كبيرة من العملاء المستهدفين مما يوفر لك فرص تسويقية قوية أم عدد السمك محدود للغاية، وبالتالي لن تحقق العائد المادي المرجو.
بعد التعرف على الجمهور المستهدف من حيث الكم عليك معرفة خصائص ومواصفات المستهلكين أو المستخدمين وأعمارهم واهتماماتهم وأماكنهم وقبل كل شيء هل يحتاجون منتجك بالفعل؟
وعندما تحدد هذه الأمور سيصبح من السهل تنفيذ خطتك واختيار القنوات التسويقية الأنسب، والتي قد تمزج بين وسائل التسويق التقليدية مثل آليات الدعاية والإعلان في الصحافة والراديو والتلفزيون، أو في أماكن التجمعات مثل النوادي ووكالات العلاقات العامة إلى جانب وسائل الإعلام الحديثة.
وفي الألفية الثالثة، يلعب التسويق الإلكتروني دورًا هائلًا في انتشار المنتجات ومخاطبة العملاء المستهدفين باستخدام محتوى مميز مدعوم بالصور ومقاطع الفيديو واستغلال المؤثرين على مواقع التواصل مما يخلق مجتمعات رقمية مهتمة بالخدمة أو العلامة، وبجانب الإعلام الاجتماعي نجد الإعلان الرقمي عبر شراء مساحات إعلانية على المواقع، وهناك التسويق عبر البريد الإلكتروني حيث يتم إرسال نشرات أو محتويات إعلانية إلى مجموعة من العناوين البريدية المستهدفة، وهذه الوسائل التسويقية الحديثة تمكنك من التحليل السريع لسلوك المستهلك وردود فعل المستخدمين تجاه منتجك وحملتك، لكي تتعرف هل تسير على الطريق الصحيح أم تحتاج إلى تعديل منهجك وبالتالي تبني تصور مبدئي حول الأرباح.

إرسال تعليق

0 تعليقات